سوق وكيل شيراز
البصمة الخالدة التي تركها العهد الزندي في مدينة شيراز الساحرة الجمال ليكن شاهدا فاخرا و دليلا فخما على تاريخ المدينة و حضارتها و فنها و ثقافتها؛ سوق الوكيل ملتفت للعيون و محتل لموقع رائع للغاية واقعا في قلب النسيج التاريخي للمدينة بجوار بقية الآثار التابعة بمجموعة زنديه التاريخية مثل مسجد وكيل و حمام وكيل
يعطيكم سوق وكيل جولة حلوة لا تنسى حيث أمر ببناءه الملك الزندي كريم خان الملقب ب"وكيل الرعايا" سنة 1758-1779 للميلادي مستمدا الهامه من سوق لار التاريخي (في مدينة لار بمحافظة فارس) و سوق قيصريه اصفهان بعد أن أعجبته الطرازات و الفنون المعمارية الجميلة التي إستفاد منها الملوك الصفويون في بناء مثل هذه الاسواق، فإتخذ الملك قراره ليزود شيراز بسوق يتمتع بنفس الروعة، أثر عظيم تحول الى أحد أروع الاعمال المعمارية المتبقية من الملك الزندي بحيث تفوقت على مثيلاته بفضل ميزاته الفنية على سبيل المثال سوق وكيل له عرض أكبر في المقارنة مع منافسيه
أصبح سوق وكيل عند بناءه قلبا نابضا للتجارة بجميع شؤونها حيث كانت تتم فيه النشاطات التجارية بالكامل مشتملة على بيع السلع المحلية و الأجنبية أو شراءها فضلا عن كونه المكان الأساسي لإنجاز عملية إصدار و تلقي التحويلات المالية و صرافة العملات و العديد من الاعمال التجارية الأخرى مثلما كان يحتض نظاما دقيقا مخصصا للتجار لكي يتركوا فيه بضائعهم على سبيل الإعارة و يستلموها عند الحاجة
واما اليوم يعد سوق وكيل من أهم مراكزشيراز التجارية و أحد أفضلها جذبا للسياح لاسيما الراغبين منهم في المتعة و التسوق مستمتعين بأجواء جميلة و مهدئة و متمتعة بالروح التاريخي بالإضافة الى عثورهم على مجموعة فاخرة من الصناعات اليدوية و الهدايا المستحقة لكي تدغع لها خاصة السجادات اليدوية و خلاصات الاعشاب الطبية
لكي تكتشفوا تجربة تسوق مختلف تماما عما قد كان عندكم زوروا سوق وكيل مشيدا من الجص و الطوب و الجير على قواعد حجرية كبيرة ومنحوتة وفقا لعمارة بديعة ذات اقواس مرتفعة و انحاء مبهجة قلما تجدون سوقا مبنيا على اساس هذا النمط، يتكون اجواءه من ثلاثة اقسام منفصلة، القسم الأول أي المعبر لعبور الزبائن و القسم الثاني أي خصوصية المحل التي كانت تتم بناءها مع ارتفاع يقرب من خطوتين للحيلولة دون تسلل الرطوبة و القسم الثالث داخل المحل أي مكان البيع، غالبا ما كان تصميم المحلات في طابقين متمتعة من جزء خلفي يدعى"پستو" و يشبه خزانة
الطراز لعمارة السوق مثال مبهر لعبقرية صانعيه و موهبتهم الفنية؛ يرحب بقدومكم عبر أربعة مداخل و أسهلها هو مدخل شارع كريم خان بالإضافة الى إحتواءه على الممرين الطويلين الاصليين، الممر الشمالي-الجنوبي و الممر الشرقي-الغربي و هما يتقاطعان مثل الصليب بحيث عند تقاطع هذا الممرين ترون جزءا هاما و لطيفا يقال له"چهارسو" متمتعا من قوس مرتفع جدا و زخارف جميلة
الممر الشمالي-الجنوبي المسمى ب"سوق البزازين أي بائعي الأقمشة، ممرّ طويل للغاية يوجد على جانبيه 82 محلا يقع امام كلّ منها منصة حجرية و مزينة بالفنون اللطيفة، يمكنكم أن تزوروا عددا من الخانات الاثرية الواقعة على الضلع الشرقي لهذا الممرّ زيادة من روعتكم، و امّا الممر الشرقي-الغربي الذي يطلق عليه اسمان "علاقه بندان" و "تركش دوزها" بإعتبارهما كلمتين تدلان على الفنون الايرانية العريقة الجارية هنا، بينما يختص هذا الممر اليوم ببيع السجادات اليدوية فضلاً عن إحتضانه لمحلات تدعى"عطاري" و تباع فيها الأعشاب الطبية
سوق وكيل كان ينتفع بنظام رائع مخصص بتكييف الهواء و توفير الإضاءة بفضل سقوفه المرتفعة جدا و الى جانبها النوافذ أو الفوهات المتوفرة تحت السقوف و تدعى"هورنور" مختصة لتبادل الهواء و توفير الإضاءة الكافية و الملائمة
الاسواق التاريخية و على الأخص الاسواق التاريخية الايرانية منها سوق وكيل في مدينة شيراز لا تعد فحسب مراكز تجارية قديمة و فسيحة لم تزل تحتفظ على مكانتها الإقتصادية المرموقة بل تعتبر في الواقع صروحا فخمة مبنية طبقا للظروف و القواعد الخاصة و مشتملة على الانحاء المتعددة التي تتكلم لسائحيها بكامل الفخر و الشرف عن ترقد فيها من نفائس الفن و غنى الثقافة و قدم التاريخ