ايران ارضٌ خالدةٌ في اذهان التاريخ محتضنةً لكنزٍ عظيمٍ من الثقافة الغنية و الحضارة العريقة و الفنون المذهلة التي كانت و لم تزل تلفت انظار الشعوب و انظار الزمن بكلّ فتراته ، موطنٌ لأناسٍ كرماء و نبلاء الذين كانوا منذ قديم الزمان يهتمّون بالبهجة و السرور و النشاط و الحيوية و يعتبرونها جزءاً ضروريّاً من الحياة، إذن قاموا بخلق العديد من الإحتفالات الرائعة مستفيدين من الروح البارسية اللطيفة و البهيجة و المفعمة بالنشاط، إحتفالاتٌ تأتي عن هويّتهم و لم يزل يحتفظوا ببعضها بعد مرور القرون المتمادية. كانت هذه الاحتفالات متطابقة تماماً مع التقويم الطبيعي أي لها علاقةٌ مع التغييرات الموسمية و المناخية علاقةٌ وثيقة و غير قابلة للمزق، تنقسم هذه الاحتفالات بشكلٍ عامّ الى ثلاثة اقسام: الاحتفالت السنوية و الاحتفالات الشهرية و الاحتفالات گاهنبار، گاهنبار تعني المرحلة، گاهنبارات احتفالاتٌ كانت تقام تكريماً لخلق العالم، على اساس العقائد البارسية قام اهورامزدا ( الرب العظيم في اللغة الزردشتية) بخلق العالم في ستّ مراحل و كلّ مرحلةٍ تدعى "گاهنبار" . المذكورة ادناه اسماء الگاهنبارات و تواريخ إقامتها: • الگاهنبار الأول: ميديوزرم بمعنى وسط الربيع احتفالاً لخلق السماوات Apr 30 - May 4 • الگاهنبار الثاني: ميديو شهم بمعنى وسط الصيف احتفالاً لخلق الارض Jun 29 - Jul 3 • الگاهنبار الثالث: پتيه شهم بمعنى نهاية الصيف احتفالاً لخلق المياه Sep 12 - Sep 16 • الگاهنبار الرابع: اياسرم بمعنى بداية البرودة احتفالاً لخلق الاشجار و النباتات Oct 12 - Oct 16 • الگاهنبار الخامس: ميدياريم بمعنى وسط الهدوء احتفالاً لخلق الحيوانات Dec 31 - Jan 4 • الگاهنبار السادس: همس پت ميديم بمعنى وسط البرودة و الحرارة احتفالاً لخلق الانسان Mar 16 - Mar 20 اغلبية الاحتفالات التي لم يزل يهتمّ بإقامتها الايرانيون تعدّ سنوية ، طبقاً للنصوص المتوفّرة في أفستا (الكتاب المقدّس لدى الزرادشتيين) تنقسم السنة البارسية الى قسمين متساويين إذن كانوا يحتلفون ببداية الصيف مع إحتفالات "نيروز" و بداية الشتاء مع احتفالات "مهركان" وهذين الاحتفالين يعود تاريخهما الى ماقبل الزردشت و يعتبران جزءاً من الاحتفالات البارسية القديمة ولكنّها لم تزل تقام بنفس الروعة. "النيروز" كلمةٌ اصلها فارسية أي "نوروز" و تتشكّل من "نو" و "روز" بمعنى اليوم الجديد و تشير الى احتفالاتٍ بغاية الروعة و مختصّة ببداية السنة الفارسية الجديدة ، من أقدم و أروع احتفالات العالم و أكثرها شهرةً والتي تترسّخ جذورها في الثقافة البارسية العريقة و يعود تاريخها الى فترةٍ طويلةٍ ما قبل الأخمينيين و لكنّها لم تزل تحتفظ على مكانتها المرموقة بل قد تجاوزت الحدود الايرانية نتيجة جمالها بحيث يستقبل منها أكثر من 300 مليون انسانٍ يسكنون في ارجاء العالم كلّه ، كان الايرانيون القدماء يحتفلون بها لمدة 5 ايام بإعتبارها النيروز الصغير و منذ اليوم السادس متزامناً مع عيد ميلاد نبيّهم زردشت كان يبدأ النيروز الكبير مع احتفالات بمنتهى الجمال، احتفالاتٌ تقام في مديحة الطبيعة و توجّه للعالم بأجمعه رسالة السلام و الصداقة و تتزامن مع ايامٍ تبدأ الطبيعة تخلع ملابسها الشتوية المندرسة و تلبس حلّتها الجميلة المزخرفة بالبراعم و الطيور المغرّدة و المياه الجارية و الهواء الطيف ، تبدو و كأنّ الايرانيين ايضاً يتعلّمون من الربيع البهجة و النشاط و الحيوية فيقومون بتغييرٍ اساسيٍّ في كلّ ما عندهم مقيمين احتفالاتٍ تسمّى ب"احتفالات نيروز" و ترافقها تقاليد مدهشة بدءاً من اليوم الأوّل من الربيع المتطابق مع اليوم 20 من شهر مارس و مستمرّة لثلاثة عشر يوماً. جديرٌ بالذكر أنّ احتفالات نيروز مع أنّها تقام سنويّاً في الكثير من دول عالم و تخلق مشاهد جميلة و رائعة و لكنّكم تتمكّنون من زيارتها في ايران حيث يقيمها الايرانيون في اجواءٍ حيّة تعطي لكم مناظر الأكثر إثارةً للدهشة و الإهتمام.
الايرانيون القدماء كانوا يعلّقون اهميّةً كبيرةً على النار بحيث كانوا يعتبرونها رمزاً مقدّساً فضلاً عن اعتقادهم بأنّها تتمتّع من الطهارة و قدرة التطهير، إذن كانوا يستفيدون منها كوسيلةٍ لإثبات البرائة و تمييز الصداقة من الكذب ، على سبيل المثال قصة سياوش (أحد أكبر الابطال البارسيين القدماء) تعدّ من أبرز النماذج لهذا الموضوع ، عندما عبر سياوش سليماً من بين لهيب النار لتبرئة نفسه من التهمة التي إتّهموه بها، و هناك عددٌ من الاحتفالات التي كانت تقام تكريماً للنار، من أجملها و أقدمها إحتفالٌ يسمّى بإحتفال "سده" الذي أقيم لأوّل مرّة بأمرٍ من هوشنك أحد الملوك البارسيين القدماء لأنّه كان يعتقد بأنّ النار نورٌ ينزله الله تعالى (اهورامزدا في اللغة الزردشتية) مخصّصاً لقلوب الناس لكي تطهّرها من الظلمات و تزيل عنها الكآبات و خلال هذا الاحتفال كانوا يشعلون نيراناً عظيمة و يجتمعون حولها آكلين الاطعمة و المشروبات آملين بالله تعالى أن يغفر ذنوبهم و يبعد عنهم الهمّ و الغم، هذاالاحتفال مازال يقام بين زرادشتيين لا سيّما في المدن الكبيرة مثل طهران و اصفهان و كرمان.
وفقاً لعقائد الايرانيين القدماء الايام الخمسة النهائية للسنة لا تعتبر جزءاً من التقويم السنوي بل هي تتعلّق بالموتى إذن كانوا يحتفلون لهم احتفالاً يسمّى ب"فروهر" مشتملاً على تقاليد رائعة أي يقومون طيلة هذه الايام الخمسة بإشعال النيران الكبيرة على اسطح منازلهم لتكن ادلّةً للموتى، هذين الاحتفالين "فروهر" و "سده" كانا يختصّان بفترةٍ زمنيةٍ لم يكن يدخل الاسلام في ايران بعدُ و تغيّرت كلها تغييراً اساسيّاً بعد إعتناق الايرانيين بالاسلام و إنشاء الاسبوع في التقويم البارسي. "چهارشنبه سوري"؛ على مر الزمن فقدت النار مكانتها الدينية أي عبادة النار تبدّلت الى تقليدٍ آخر يشتمل على القفز من فوقها و كان يدعى هذا التقليد " السوري" نفس الشئ الذي كان و لم يزل يقوم به الايرانيون سنوياً في ليلة الثلاثاء الاخيرة ليكن ترحيباً حارّاً لايام النيروز و كان يقام عند الايرانيين القدماء على اساس طريقةٍ خاصّةٍ ، أي مع إشعال نيرانٍ صغيرةٍ من الشجيرات الشوكية (نظراً لفوائد دخانها في حصول الانسان على الهدوء) و القفز من فوقها برفقة عدة تقالييد جميلة و رائعة منها تقليد "قاشق زني" قاشق بمعنى ملعقة ، مع طبخ و توزيع طعامٍ تقليديٍّ لذيذٍ يسمّى ب"آش ابودردا" أي كانوا يضربون باللمعلقة على اواني فلزية طلباً من الآخرين شيئاً من الحلويات و لو لم يكن يعطيهم كانوا يهدّدونهم بالإزعاج ، تماماً مثل ما يقام في إحتفال هالووين في اروبا رمزاً للاعتقاد بالقيامة و الحياة الابدية ، أو تقلييد "فالگوش" أي كان الناس يقفون على الشوارع و يستمعون الى كلمات العابرين سرّاً و يتطيّرون للعام المقبل إمّا بخيرٍ أو بالسوء تبعاً لموضوع الكلمات أنّه كان عن السعادة أو الحزن.
"يلدا" يعني لغويّاً الولادة أو عيد ميلاد ، و هو أحد أقدم الاحتفالات البارسية و أجملها بإعتباره الاحتفال الثاني الذي لم يزل يقف شامخاً على قمّة جماله الى جانب احتفال نيروز بحيث تمّ تصديره الى الكثير من دول العالم و هم يقيمونها بنفس الروعة، احتفالٌ للتحوّل الشتوي يقام في الليلة الأولى من فصل الشتاء،ليلةٌ تعدّ أطول ليالي السنة و منذ هذه الليلة فصاعداً ستصبح الايام أطول من الليالي و كان الايرانيون القدماء كانوا يحتفلون تكريماً لهذا الموضوع وفقاً للعقائد الاسطورية الرائعة على سبيل المثال هم كانوا يعتبرونه رمزاً لفوز النور على الظلام بعبارةٍ أخرى فوز الخير على الشرّ أو كانوا يعتقدون بأنّ "ميترا" الهة النور قد ولدت في هذه الليلة و قامت بإزالة الظلام من قلوب الناس و أنبتت فيها براعم النور والايمان، إذن كانوا و لم يزل يقيمون احتفالات بمناسبة هذه الاحداث الجميلة مع تقاليد لطيفة مجتمعين بقدر الإمكان في بيوت اجدادهم أو جدّاتهم آكلين مختلف انواع المأكولات من الفواكه لا سيّما البطّيخ الأحمر أو الرمان و نوعٌ خاصّ من المكسّرات يسمّونها ب"آجيل" متشكّلة من اشياءٍ مفيدة و مقوّية جدّاً
الايرانيون القدماء كانوا يطلقون على كلّ يومٍ من ايام الشهر اسماءً جميلةً و حسنةً و مشتقّةً كلّها من اسماء اهورامزدا (الربّ العظيم) والتي كانت تؤثّر تأثيراً لا مثيل له في مبادئ حياتهم بحيث كانوا قد أسّسوا اصلاً اساسيّاً لحياتهم متأثّراً من هذه الاسماء مهتمّين به و محاولين أن يتعوّدوا على العيش طبقاً له و هو: الكلمات الطيبة و الافكار الحسنة و الاعمال الصالحة، و طيلة كل شهرٍ مرّةً واحدةً كان يتشابه اسم اليوم و اسم الشهر و هم كانوا يعتبرون ذلك اليوم يوماً ميموناً و يقيمون احتفالاً تكريماً له ، عدد هذه الاحتفالات يصل الى 12 بعدد شهور السنة. "تيرگان" أحد أهمّ هذه الاحتفالات و أشهرها كان و لم يزل يقام في اليوم العاشر لشهر "تير" من قبل الزرادشتيين في انحاء العالم ، احتفالٌ لنزول الامطار الغزيرة و ايضاً يشير الى قصةٍ اسطوريةٍ رائعةٍ قصة رمايةٍ قام بها "آرش كمناگير" من الابطال الايرانيين الكبار بأمرٍ من منوجهر أحد الملوك الايرانيين القدماء لكي يعيّن بها الحدود الفاصلة بين بلاد الفرس و بلاد توران، هناك عددٌ من التقاليد التي تقام الى جانب هذا الاحتفال منها تقليد " آبريزگان" أي يعبّر الناس عن سرورهم عبر رشّ المياه على البعض.
"مهرگان" احتفالٌ شعبيٌّ للايرانيين القدماء ، احتفال الشكر عند حصاد محاصيلهم في فصل الخريف، من أقدم الاحتفالات التي كان يقيمها الأمم الأولى الساكنة في ايران في شهر "مهر" بدءاً من اليوم السادس عشر الى اليوم الواحد و العشرين، مهر لدى الايرانيين رمزٌ للمحبة و النور و الصداقة و كان يقام تكريماً ل"ميترا" الهة النور و ما زال يهتمّ بإجراءه الزرادشتيون في مناظر جميلة.
"اسپندگان" من أروع احتفالات الايرانيين تكريماً لمكانةٍ مرموقةٍ تتمتّع منها الامّهات (يشبه تماماً احتفال Valentine أو عيد الحبّ الذي يقام في اروبا)، يقام في اليوم الخامس من شهر "اسفند" ، يومٌ كان ايضاً رمزاً لتواضع الارض الخصبة التي تعطي نعماتها للناس مع الودّ و المرح و لا تريد شيئاً مقابل ذلك مثلما تفعل الامّهات الحنونة. المذكورة ادناه أسماء الاحتفالات الشهرية البارسية و تواريخ إقامتها: • احتفال فرودگان اليوم التاسع عشر من شهر فروردين • احتفال ارديبهشتگان اليوم الثالث من شهر ارديبهشت • احتفال خردادگان اليوم السادس من شهر خرداد • احتفال تيرگان اليوم الثالث عشر من شهر تير • احتفال امردادگان اليوم السابع من شهر مرداد • احتفال شهريورگان اليوم الرابع من شهر شهريور • احتفال مهرگان اليوم السادس عشر من شهر مهر • احتفال آبانگان اليوم العاشر من شهر آبان • احتفال آذرگان اليوم التاسع من شهر آذر • احتفال ديگان اليوم الأوّل من شهر دي يسمّى ايضاً "خرم روز" بمعنى اليوم السعيد • احتفال بهمنگان اليوم الثاني من شهر بهمن • احتفال اسپندگان اليوم الخامس من شهر اسفند