مرحبا بك يا رمضان
يا شهر العفو و الغفران و الفضل و الإحسان
أنت الشهر المبارك الذي أنزل فيه القران هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان؛ أنت الشهر العظيم الذي امر الله تعالى عباده فيه بالصيام؛ أنت الشهر الكريم الذي وعد الله المخلصين فيه بالغفران؛ أنت الشهر الجميل الذي يتشرف فيه العباد بالجود و الإكرام و الخير و الإحسان؛ أنت الشهر الفضيل الذي تتفتح فيه أبواب السماء لترتفع أصوات الدعاء؛ أنت شهر الهدى ألذي تصفد فيه الشياطين ليتّجه قلب الانسان نحو الإيمان و يصبح روحه ربّانيا بتلاوة القران و قيام الأسحار؛ أنت شهر الرحمة الذي لا تردّ فيه دعوة الداعي حتى تنال باب الإستجابة؛ أنت يا رمضان بوابة الجنة؛ فأدع لنا ربّك لكي يوفّقنا في إغتنام لحظاتك و إنتهاز ثوانيك.
الثقافة الايرانية كما يعتقد الجميع تعتبر من أقدم الثقافات طيلة التاريخ البشري و من أدومها و أكثرها تأثيرا إيجابيا في الانسان و يعدّ الايرانيون من أكثر شعوب العالم إنتباها و إلتزاما بالطقوس و العادات و التقاليد الثقافية العريقة. عراقة الثقافة الايرانية من جهة و غناها و جمالها الذي تستمدّها من تعاليم الاسلام من جهة إخرى جعلتها تراثا عظيما لا مثيل لها تفتخر به ايران و يفتخر به الشعب الايراني.
ايران أرض كبير تتميز بالتنوع القومي المدهش في أرجاءها و هذه تجعلها ايضا تنفرد في تنوع العادات و التقاليد المتبقية لديها منذ القرون حتى الآن لا سيما المختصة منها بحلول شهر رمضان المبارك؛ العديد من هذه العادات و الاحتفالات تختص بمناطق خاصة و لكنّها و بسبب جمالها و جذورها الدينية الرائعة تمكّنت من أن تتعدّى حدود مناطقها و تحوّلت الى عادات جميلة تقام في أنحاء ايران منذ قبيل الشهر العظيم للترحيب بقدومه الى وداعه و إقامة عيد الفطر السعيد. نقدّم اليكم الآن عددا من أجمل هذه الاحتفالات:
"خانه تكاني" أي تنظيف البيت:
أصبح شهر شعبان المعظم على وشك الإنتهاء؛ شهر عظيم يفتخر بأنّ الله تعالى إختاره من بين الشهور و جعله مباركا لأنّه ولد فيه عدد من ابناء الرسول (ص) و هم كانوا و يكونون الى الأبد فخراً لأنباء البشر؛ شهر يُنسب الى النبي محمد (ص) و يستحب فيه الصيام و الصلاة و تلاوة القران إذن أمرنا به النبي (ص) حبّا له و قربا الى ربّنا لنكن جاهزين لدخول شهر الله أي شهر رمضان.
أصبح شهر شعبان المعظم على وشك الإنتهاء و تصبح ايران تعيش أجواء لا مثيل لها؛ أجواء روحانية جميلة تعمّ أرجاء البلد و أنحاءها تبدو و كأنّهم يريدون الترحيب بشهرٍ يسمّونه بأسماء لطيفة منها"ربيع القرآن" أو "شهر ضيافة الله"و لذلك يقيمون إحتفالات تكريما لقدومه منها "خانه تكاني" كما يقومون بها عند رأس السنة الشمسية.
قبيل حلول شهر رمضان الكريم نرى الايرانيين يبدءون بتنظيف بيوتهم و إزالة الأوساخ منها كأنّهم يعتقدون بأنّ هذا العمل يعتبر الخطوة الأولى في الإستقبال من الشهر العظيم و يساعدهم في القيام بواجباتهم الدينة خلال الشهر و بفراغ البال، و أمّا النظافة هذه لا تقتصر في البيوت فقط بل هم من الصغار و الكبار أو من الرجال و النساء يتطوعون بكلّ سرور لتنظيف المساجد و التكايا و الأماكن العامة التي ستقام فيها مراسيم رمضانية طوال الشهر فخورين به و آملين بأنّ الله تعالى قد يمنحهم فرصة المشاركة في ضيافة صيامه ليزيل عن قلوبهم أوساخ الذنوب و غبار السيئات و يحلّ محلّها حبّه و حب الحسنات.
تحضير احتياجات البيت:
كان الايرانيون منذ قديم الزمان حتى الآن يستقبلون من شهر رمضان شهر الرحمة و الغفران و ذلك عبر طرق خاصة مثلما كانوا يقومون بأعمال تجعلهم على أتم الإستعداد لكي يحرّروا أذهانهم من أعمال الروتين و يشتغلوا بالأعمال الدينية و يستفيدوا كلّ الإستفادة من الأجواء الروحانية الخاصة بالشهر الفضيل و ذلك بفراغ البال و يتمكّنوا من أن يحضروا مراسيم الصلاة و العبادات و إجتماعات الألفة بالقرآن التي تقام عادة في أنحاء المدن لا سيما المساجد؛ على سبيل المثال كانوا و لا يزال يحرصون على إعداد ما يحتاجون اليه طوال الشهر من اللحوم و الخبز و الأرز و غيرها؛ على سبيل المثال في بعض المدن الايرانية كانت العائلات يطبخن نوعا رقيقا من الخبز في مقادير كثيرة ثم يحتفظن عليها في أوعية أسطوانية الشكل ذات الغطاء و المصنوعة من أغصان أشجار الصفصاف أو أشجار الجوز البري ليتمكّنوا من أكلها طازجة طيلة الشهر بالإضافة الى تحضير نشا الأرز بسبب كونها مقوّيا جدّا أو مقادير كبيرة من اللحوم المقطوعة في القطع الصغيرة و تعليقها من السقف في الأماكن الباردة.
مراسيم دينية لطيفة و أنشطة اجتماعية جميلة:
متزامنا مع بداية شهر رمضان المبارك تعيش ايران و المدن الايرانية كلّها أجواء منفردة تزيد من روحانية الشهر العظيم و هذه بسبب إقامة العديد من المراسيم التي تجمع بين طعم الديني الروحاني اللطيف و رائحة الأعمال الجماعية المفعمة بالخير و البركة.
منذ بداية الشهر المبارك و في أية مدينة ايرانية لا يمكنكم إيجاد حيّ أو منطقة أو مسجد يخلو من مجالس الألفة مع القران الكريم للراجال و للنساء و يتم فيها تلاوة آيات القرآن بدءا من الجزء الأول الى الجزء الثلاثين و ذلك تتزيد كلما نقترب من ليالي القدر و الايرانيين ىقومون بإحياء هذه الليالي الثلاثة و المساجد بحيث أنّ المساجد و الحسينيات و و لا سيما العتبات المقدسة منها حرم الامام الرضا (ع) حيث تكتظ بالصائمين الذين يستيقظون حتى الفجر آملين النيل على بركات الليالي العظيمة و الحصول على العفو و المغفرة الالهية.
فعاليات الصائمين الايرانيين لا تقتصر في الأعمال الدينية فقط بل تشتمل ايضا على الأنشطة الاجتماعية و الثقافية التي تتجلى عادة بصورة المعارض و المهرجانات التي يتم عقدها بهدف مساعدة الفقراء و الايتام و تقديم المساعدة من أجل إطلاق سراح المسجونين بسبب إرتكاب الجرائم غير المتعمدة و هم لا يقدرون على دفع مبالغ العقوبات مثل دية أو المبالغ المترتبة على القتل بسبب حوادث السيارات غير المتعمدة و ذلك عبر التبرعات المالية أو إقامة الأسواق الخيرية العائدة أرباحها لدعم الطبقة المحتاجة و هذه تعتبر من أهم البرامج الخيرية التي يقوم بتنفيذها المحسنون في إيران منهم المجموعات الخيرية أو الجهات المانحة خلال شهر رمضان الكريم.
مائدة الايرانيين في شهر رمضان:
المائدة الملونة و المزينة بالأطباق المتنوعة و في الوقت نفسه المطابقة جدّا للتعاليم الدينية المختصة بصحة الجسم تعتبر من أحلى الميزات التي يتميز بها شهر الصيام في ايران؛ الايرانيون يتمتعون بإسلوب حسن يختص بإفطار و ذلك أنّه عندهم مائدتان في شهر رمضان؛ المائدة الأولى التي تفترش عند اذان المغرب و تتزين بالمأكولات الخفيفة التي تلائم معدة الصائم للهضم مثلما تعيد اليه قوّته و نشاطه الضرورية بحيث أنّ الصائم يقوم بكسر صيامه مع كأس من الماء الساخن أو اللبن الساخن و ترافقه الحلويات لا سيما التمر أو "زولبيا" و "باميه" بوصفها نوع خاص من الحلوى الايراني الذي لا يخلو منها المائدة الايرانية الرمضانية؛ و الى جانبها توجد طبق من الخضروات الطازجة و الخبز مع قطعة من الجبنة و الجوز و إناء من الأطباق المغذية للغاية على الأخص "آش" بمختلف أنواعه أو "شله زرد" أو "شير برنج" أو "حليم".
و أمّا المائدة الثانية التي تعدّ الرئيسية و هي يتم إفتراشها ساعتين تقريبا بعد أذان المغرب مشتملة على الاطعمة الايرانية التي يعدّ الأرز من أهمّها مع مختلف أنواع المرق الى جانب المأكولات الجانبية أي السلطة و الزبادي و الخضروات و ذلك نظرا بأنّ المطبخ الايراني يعتبر من أفضل مطابخ العالم.
صيام "كله كنجشكي"؛ عمل جميل يقوم به الاطفال الايرانيون
حينما يأتي شهر رمضان المبارك و نفرش مائدة الإفطار و نرفع الأيدي الى السماء بهذا الدعاء: "اللهم لك صمنا و على رزقك أفطرنا فتقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم" قلّما هناك أحد منّا لا يتذكّر ذكرياته الأكثر من الحلوة؛ ذكرى أيام كنّا في سبعة من عمرنا و بدأنا بالصيام؛ يا لها من أيام جميلة؛ ذكرى الصيام الأول ذكرى الإفطار الأول و ذكرى الجوائز التي كانت يمنحنا الأب و هو كان يحتضننا و يلاطفا و يقبّلنا و يقول لنا "أنا فخور بكم". كم كنّا نحبّك يا رمضان و كم كنّا نشتاق مجيئك!.
يسمع الأطفال الايرانيون صوت اقدام رمضان و هم يتحمّسون و يبتهجون و يتكلمون بحماس عن رغبتهم في الصوم و يبذلون قصارى جهدهم لكي يثبتوا بأنّهم أقوياء و يمكنهم الصيام و يحاولون أن يقلّدوا كبارهم؛ هذه و من الجهة الأخرى تحرص العائلات الايرانية على تربية أولادهم حرصا لا مثيل له لا سيما التربية الدينية و يحاولون تدريبهم على إنجاز الفرائض الدينية قبل أن يبلغوا سن التكليف الشرعي على الاخص الصيام لكي يتعودوا عليه لأنّهم يتعرّفون على آثاره الفريدة في نوعها على نفوس أبناءهم؛ آثار تتجلّى في حياتهم دون شك كما يزداد عندهم الصبر و الطاقة و قدرة التغلب على المشاكل؛ إذن صيام رأس العصفورة طريقة إبداعية لطيفة تتخذها العوائل لكي تعوّدوا أولادهم على الصوم ببطء و ذلك يعني انّهم يستيقظون عند الفجر برفقة العائلة و يأكلون السحور و يصومون على حسب مقدرتهم الى أذان الظهر عادة. جدير بالذكر أنّ الصوم رأس العصفور يقترن مع الحصول على الجوائز التي يحبّها الأولاد و هذه يجعل أجواء رمضان أجمل و أحلى لدى الاطفال.
اللهم بلّغنا رمضان...واجعلنا نتلو القرآن...واهدنا الى بر الأمان... یا الله یا رحمان
أهلا بك يا شهر التقى