حرم الامام الرضا (ع)
بقعةٌ مباركةٌ تسطع فيها الانوار الإلهيّة و تهبط فيها افواج الملائكة و تلجأ اليها امواج العشّاق و عيونهم ماطرةٌ بدموع الحبّ و الولاء و قلوبهم متحرّرةٌ من توتّرات حياة الدنيا ، قطعةٌ من الجنّة و نعمةٌ كبيرةٌ من الله على الشعب الايراني يتوافد اليها ملائين الزوار رافعين ايديهم الى إمامهم الرئوف ليمسح همومهم و يطهّر قلوبهم بلطفه و حنانه و رأفته و متمنّين تزكية نفوسهم بجواره، دع روحك هنا تعانق السماء لتجرّب ذروة الهدوء و الطمأنينة و غاية الجلال و العظمة و منتهى الجمال و الإناقة في احضان كريمٍ من آل طه حيث لن تجده خالياً من الزائر العاشق.
أهمّ الابنية الايرانية للسياحة الدينية و أحد أروعها إستقطاباً لسياح العالم خصوصاً الشيعة، روضةٌ مقدّسةٌ تسكنها النجمة الثامنة من سماء العصمة و الطهارة إمامنا الهمام علي بن موسى الرضا ، كان المكان في البداية قريةٌ صغيرةٌ تُدعى سناباد من توابع مدينة طوس الواقعة في محافظة خراسان حتى حصلت على سمعةٍ عالميّةٍ مرموقةٍ بعد أن دفن فيها الامام الرضا (ع)شهيداً فتمّ تغيير اسم المكان و أصبح مشهد أو مشهد الرضا.
إزدهرت مدينة مشهد المقدّسة شيئاً فشيئاً طيلة القرون المتمادية بحيث تمّ تطويرها و تجديدها مراراً و مراراً خلال الفترات المختلفة من تاريخ ايران منها عهد السلاجقة و التيمورية و الافشارية (على سبيل المثال القبّة الاولى التي تمّ نصبها على الحرم كانت من انجازات الملوك السلجوقيين و مسجد كوهرشاد أجمل و أشهر و مساجد ايران تعتبر من اعمال زوجة الملك التيموري) لاسيّما الفترة الصفوية فترة الإزدهار المعماري للحرم الشريف نظراً لإعتراف الملوك الصفويون بالتشيّع كدينٍ رسميٍّ إعتنق به الايرانيون ، لعبت كلٌّ من هؤلاء الملوك دوراً هامّاً في تطوير هذه الروضة المقدّسة حتى وصلت الي ما هو عليه الآن.
أصبح الآن الحرم الرضوي الشريف أزهى نموذجٍ و أروع مثالٍ للزخارف و التزئينات و الفنون المعمارية الايرانية والاسلامية ، كنزٌ معماريٌّ فريدٌ في نوعه ، ينتابك شعورٌ لا يُنسى عندما تتجوّل في اجواءه المفعمة بالروحانية و الاحساس و تنسى همومك تماماً حينما تجلس أو تتمشّى في اروقته و ايواناته المصمّمة بالتصميمات الفاخرة و المزخرفة بالزخارف الباهرة و تثير دهشتك إذاما تُدير رأسك و ترى الجدران و السقوف المحيطة بالمقبرة و هي مغطّاةٌ جميعاً بأجمل انواع القاشاني المعرّق و نقوش ارابيسك و فنون المرايا و الكتيبات القديمة المحتضنة للآيات و الاحاديث المكتوبه بأجمل الخطوط ، تشعر بأنّ لحظاتك تقترب من الله و انت جالسةٌ بين صفوفه للصلاة ، تبدو و كأنّ نبضات قلبك تزداد و تزداد حتى ترى نفسك مقابل الضريح ، قد وصلتَ الى ما كنت تتمنّاه ، لا قلب لك و لا عين ، خطف قلبك بجماله و حبه و ملأ عينك بجلاله و لطفه.
القبّة الذهبيّة المتلألئة و المهيبة و الى جانبها المنائر العظيمة المغطّاة بالذهب و المزخرفة بغاية الروعة و الجمال تُعتبر أول شئٍ يطرق باب قلبك و يبشّرك بأنّك قد إقتربتَ بمكان الحبيب ، إذاما إستطعتَ أن تتخلّى عن جمال القبّة و هدوءها امامك في الحرم العديد من الاماكن التي تُحوّل اوقاتك الى ذكرياتٍ لا تنسى منها اروقةٌ لطيفةٌ تحيط بالحرم و تذكّرك بصدفةٍ تحيط بجوهرةٍ لا مثيل لها و تفوح فيها رائحة قدسيّةٍ لا نظير لها ، أو الايوانات العديدة أو المساجد الكبيرة و القديمة و الفاخرة أو مقابر كبار العلماء و المشاهير أو الصحون المتعدّدة بإعتبارها الاماكن الاولى التي تستقبل من الزوار المتشرّفين بالزيارة و المتمتّعين بأجمل المظاهر للعمارة
صحن العتيق الذي يدعى ايضاً صحن انقلاب (الثورة) يعدّ أبرز هذه الصحون و أقدمها و أقربها من الروضة المباركة حيث يمكّنكم من الحصول على أجمل و أكمل و أقرب الصور للقبّة الذهبية مقارنةً لبقية الصحون بالإضافة الى إحتضانه لأكثر ابنية الحرم المقدسة التاريخية استقطاباً للسياح منها النافذة الفولاذية (پنجره فولاد) مكانٌ يعدّ أقرب الاماكن من الضريح، نافذةٌ مختلفةٌ عن نوافذ العالم ، نافذةٌ مشبّكةٌ تعتبر نقطةً للاتّصال المباشر بين قلوب العشّاق و حبيبهم حيث تعلّق قلبك بين القضبان كامانةٍ يحتفظ بها حبيبك حتى رحلةٍ قادمةٍ.
أو في زاويته الشرقية تزور ايوان الذهب (ايوان طلا) الأجمل في نوعه مزيّناً بأفخر انواع التزئينات و الفنون و بجواره تندهش بأحد أروع مباني التاريخية الموجودة في الحرم أي مبنى النقّارة (نقاره خانه)؛ بضعة دقائق قبل طلوع الشمس و غروبها يومياً أو في اسحار شهر رمضان أو عند حلول العيد تستمع بصوت الطبول و الابواق، صوتٌ مهدئٌ و خاصٌّ يداعب بأذنك سوى ايام العزاء.
أضيفوا اليها بناء سقاخانه الذي يُطلق عليه ايضاً اسم مشربة اسماعيل الذهبي، من أكثر المباني جذباً للزائرين و هو مشربة ماءٍ مزوّدةٍ بالقبّة و الاعمدة الجميلة ذات الاقواس المزيّنة بالنقوش الذهبية الرائعة ، ترون الزوار مجتمعين حوله آملین أن تحصلوا على مياهه تبرّكاً بها ، لن تكتمل متعتك الّا مع الذهاب الى مضيف الامام الرضا (ع) حيث تتذوّق اطباقاً قلّما تجرّبها طيلة حياتك و هذه امنيّةٌ يفتخر أيُّ زائرٍ بتحقّقها.