متحف آبغينه
بين الشوارع المزدحمة وسط العاصمة الايرانية الكبيرة طهران ندعوكم الى مكانٍ هادئٍ للغاية يقال له متحف آبغينه طهران؛ واقعاً في قلب حديقةٍ فسيحةٍ و لطيفةٍ، حيث لا تعطيكم فقط اجواءها الطبيعية المنعشة بل تزوّدكم ايضاً بساعاتٍ مذهلةٍ عبرالنفائس الاثرية التي تندهشون بزيارتها متوفّرةً في عمارةٍ تاريخيةٍ تتوسّط الحديقة و تُدعى عمارة قوام السلطنة حيث تبدّلت الى متحفٍ إختصاصيٍّ يحتفظ في أحضانه مجموعةً مدهشةً من الزجاجات و الفخاريات المتبقية من ألفيتين الأولى و الثانية قبل الميلاد بإعتبارها رموزاً باهرة من تاريخ ايران المجيد من فتراته القديمة قبل الميلاد الى العهد القاجاري كما يعرض لكم نماذج بارزة من تفوّقها في صناعة الزجاج و الفخاريات.
نبذةٌ عن عمارة مبنى قوام السلطنة التي تمّ تبديله الى متحف آبغينه؛ احمد القوام الملقّب ب"قوام السلطنه" من أكبر السياسيين نفوذاً في تاريخ ايران لاسيّما في عهدين القاجاري و البهلوي عندما تولّى مسؤولية الوزارة في حكم الملك القاجاري أحمد شاه أمر ببناء بيتٍ في إحدى أجمل مناطق طهران مخصّصاً له حيث أصبح مكاناً بغاية الروعة لإقامة الوزير و مكتباً لعمله لمدة ثلاثين عاماً.
مبنى ذو ثمانية اضلاع و المتكوّن من طابقين حيث يجعل ناظريه معترفين بجمال الهندسة و روعة العمارة و إناقة الزخارف ملفّقاً بين الانماط الأروبية الرائعة و الفنون الايرانية العريقة دون أن تكن تتعرّض لأيّ ترميمٍ أو تغيير، تلفت انظاركم اجواءه الخارجية مع الابواب و النوافذ الخشبية النفيسة المزخرفة بفنّ الترصيع و أعمال القرميد المختلفة انواعها و زخارف القاشاني المستخدمة في حوض الماء، كلّها تستمدّ الهامها من العمارة الايرانية المألوفة في عهد السلاجقة، إكمالاً للمتعة أدخلوا المبنى عن طريق السلالم المصمّمة طبقاً للنمط الروسي و سجّلوا لحظاتٍ مغرية متمتّعين بالانحاء الداخلية حيث تعطيكم شعوراً خيالياً المرايا الأنيقة و أعمال التجصيص الجميلة.
سجّل مبنى قوام السلطنه في ذاكرته الكثير من الذكريات التاريخية؛ شُيّد كمكانٍ مهيبٍ أقام فيه الوزير لمدة ثلاثين عاماً و من ثَمّ تمّ نقله الى السفارة المصرية و الافغانية كما تلوحكم الأعلام المصرية في أسفل فنون التجصيص، لا تنتهي القصة الى هنا بل إنتقل المبنى الى البنك التجاري و ظلّ لهذا الحال حتى قامت الملكة البهلوية فرح ديبا بشراءه متّخذةً قرارها لكي تبدّله الى المتحف المسمّى ب "آبغينه".
وامّا المتحف؛ حيث يحتفظ على قطعةٍ ثمينةٍ من تاريخ ايران و حضارتها العريقة، بأمرٍ من الملكة قام المهندسون الايرانيون بتصميم المتحف و لكن الاسلوب المستخدَم في عمارته الداخلية لاسيّما تصميم المعارض يُعدّ من منجزات المهندس النمساوي الكبير هانس هولاين من أقدم المهندسين المعماريين المتوفّقين في مجال العمارة مابعد الحداثة بحيث تحوّل "آبغينه" الى أفضل إنجازاته و أكثرها تميّزاً.
تبدو و كأنّ المهندس هولاين بذل قصارى جهده في إنجاز هذه المهمّة خاصّةً في تصميم المعارض و إضاءتها مستمدّاً الهامه من عجائب ايران التاريخية ليكن عمله عملاً خالداً و فريداً في نوعه، بحيث عندما تتجوّلون بين المعارض مندهشين بروعة اشياءها تتخيّلون أنفسكم أيضاً في شيراز متجوّلين بين أعمدة برسبوليس (تخت جمشيد) أو مسحورين بالفنون المستخدمة في قصر تجر و كعبة زردشت في نقش رستم مثلما تتذكّرون الآثار الصفوية ذات اقواس.
لتجربة جولةٍ لا تنسى في زوايا المتحف المتنوعة يمكنكم أن تبدؤوا من الطابق الأرضي حيث ترحّب بكم قاعة "مينا" واقعةً على الجهة الشرقية مشتملةً على مجموعةٍ نفيسةٍ من الفخاريات و ايضاً أقدم الزجاجات المسمّاة ب"سيلندر" والتي تأخذكم في جولةٍ الى الألفيتين الأولى و الثانية قبل الميلاد ساحرةً لعيونكم بالوانها الزرقاء و اللازوردية و زخرفتها بالخطوط و النقوش الملوّنة و الرائعة و تمّ العصور عليها في تنقيبات"معبد زيغورات جغازنبيل" و لافتاً لانظاركم في الجهة الغربية زوروا قاعة "بلور" مع نفس الجمال و الفخامة.
إستمراراً لمتعتكم زوروا في الطابق الأوّل قاعة"صدف"، يطلق عليها هذا الاسم بسبب شكله الرائع الذي يذكّركم بصدفٍ شبه المفتوحة حيث يشتمل على مجموعةٍ من الفخّاريات العائدة تاريخها الى قرني الثالث و الرابع و تمّ العصور عليها في تنقيباتٍ أنجزت بمدينة نيشابور بمحافظة خراسان، لاتفوتوا في نفس الطابق قاعة "زرّين" بمعنى الذهبيّ، تُدعى بهذا الاسم بسبب إحتضانه للاواني الذهبية القديمة التي تمّت زخرفتها بالاشكال المنغولية المختلفة والاشعار البارسية و العربية المكتوبة بخطوط النسخ و النستعليق و تجعلكم ضيوفاً بين الفنون الباقية من العهد السلجوقي أو قاعة "لازورد"المحتفظة على الاواني اللازوردية المتبقية من العهد الايلخاني و الى جانبها ستكون بين أيديكم الآثار المستحقّة للزيارة من عصري الصفويّ و القاجاري.
متحف آبغينه طهران يدعوكم لتجربة اوقاتٍ مفعمة بالإثارة و المتعة بإعتباره أحد أمثل متاحف ايران و على الأخصّ متاحف طهران و أكثرها تفرّداً و ذلك بفضل هندسته المثيرة للإنتباه و عمارتها المعجبة للسياح و إحتضانه للاشياء و الزخارف الاثرية المدهشة لعيون الزوّار و الممثلة للفن الايراني و ذوقها و تاريخها و ثقافها و حضارتها للراغبين فيها.