عتبة شاه جراغ
من أفخر معالم ايران الدينية ذات عمارة مدهشة
تدعوكم لزيارتها الى شيراز، مدينة الشعر و الفن و الحب و الصفا، موطن الحدائق و الجنينات و أرض تلألأت في سماءها أنوار ساطعة من أبناء الرسول (ص)إشراقاً لقلوب المؤمنين بنور الايمان و إثارة لدهشتهم بقوة الجمال مثل عتبة السيد امير أحمد بن موسى الكاظم الملقّب ب"شاهجراغ" الواقعة في ساحة أحمدي، فضلاً عن ضريح اخيه السيد مير محمد بن موسى الكاظم الذي يقع بجانبه في الجهة الشرقية لفناء العتبة محتضناً لعددٍ من المقابر للعلماء و الفضلاء الكبار.
السيّد امير أحمد بن موسى الكاظم كان نجلاً نبيلاً للامام موسى بن جعفر (ع) و باعثاً لفخره بحيث إشتهر بمكانته العالية و منزلته المرموقة عند أبيه و أدّى ذلك الى إزدياد شعبيته بين الناس و حبّهم له، لُقّب ب"سيد السادات الأعاظم" و ذلك بسبب سمعته بالفضيلة و الكرم و العبادة و التقوى و الشجاعة و الورع ، كان كاتباً للقرآن و راوياً لاحاديث جدّه و آباءه.
إفتخرت شيراز بكونها مكاناً حلّت فيها عتبة السيد احمد بن موسى الكاظم حينما عزم على السفر الى ايران برفقة أخويه محمد و حسين و عدد كبيرٍ من أقرباءه و شيعته لزيارة شقيقه الامام الرضا (ع) الذي كان في أرض طوس تحت هيمنة الخليفة مأمون العباسي، كان يزداد عددهم مع العبور من أيّة بلدةٍ أو منطقة بحيث أصبحوا 15000 شخصاً حتى وصلوا الى شيراز و أستشهد الكثير منهم لا سيّما السيد احمد بأمرٍ من مأمون و على يد قتلع خان حاكم شيراز و تمّ ذلك عبر خدعة قذرة لأنّهم لم يتمكّنوا من ذلك في المواجهات المسلّحة، ثم قاموا بخريب البيت و إخفاء جسد السيد تحت كومة ترابية ضخمة بحيث بقي مجهولاً لمدة 450 سنة نتيجة حقد الخلفاء العباسيين للشيعة.
نبذة عن معمارية الحرم الشريف:
تسحر عيونكم قبّة مهيبة مصنوعة بطراز رائع و مزخرفة بنمط مذهل عبر زخارف القاشاني الملوّن و المقرنصات اللطيفة التي تجعلها من أجمل قباب العالم و على جانبيها مئذنتان عظيمتان تمّت زخرفتهما بنفس الجمال و الروعة، إحداهما تتزيّن بأسماء الله تعالى و الأخرى تتزخرف بأسماء الأئمة و القابهم حيث تزيد من نبضات قلوبكم خاصّة عندما تبث منها اصوات الاذان.
للحصول على هذا الهدوء و هذا الجمال ننصحكم بإختيار مدخلين من بين مداخل الحرم الشريف العديدة؛ مدخل جنوب الغربي أي باب الرضا (ع)، مدخل يعجبكم باعمال فنيّة تم إنجازها فيه مثل أعمدته الداخلية التي نحتت على يد النحاتين البارعين و اجواءه الداخلية التي نُقشت عليها وصايا القائد الايراني الكبير خميني على شكل القاشاني الجميل، أو مدخل شمال الغربي أي باب موسى بن جعفر (ع) الذي يثير إنتباهكم ايضاً بالزخارف المذهلة المتوفّرة بانحاءه الداخلية و الخارجية.
أًيّ مدخل إخترتم للدخول سيرشدكم الى فناء واسع و جميل يتوسّطها حوض ماء حجريّ و تزيد من جمال الحوض نافورات لطيفة، تجلسون الى جانب الحوض أو تحت ظلال اشجار خضراء متمتعين مستمتعين بنسيمٍ بارد و منعش، تحيط بالفناء الغرف ذات طابقين التي تزيّن واجهتها و أعمدتها الحجريّة تزئينات القاشاني، و امّا ايوان الحرم ترونه مغطّياً بالاخشاب المرصّعة النفيسة لاسيّما في السقف.
الأجواء الداخلية الجميلة:
أضيفوا الى روعتكم اجواء الحرم الداخلية المزخرفة بمنتهى الذوق خاصّة مع القاشاني الملوّن و فنون المرايا الأنيقة الملوّنة و المصمّمة بالبراعة التي تزيّن جميع زواياها الخطوط البارسية و العربية الجميلة، ترشدكم هذه الاجواء الى الضريح المقدّس حيث الجمال و الهدوء الحقيقي تجلسون بجواره مشتغلين بالدعاء و مقتربين من الله تعالى و قلوبكم تتحرّر من احزان الدنيا، صنع الضريح من الفضّة تماماً و تمّ تزئين اقسامه الفوقانية بالاوراق الذهبية الرائعة، و في داخله ترون صندوقاً مرصّعاً جميلاً للغاية الذي قد وضع على القبر بالإضافة الى التزئينات الخشبية المرصعة المتوفّرة في سقف الضريح و أعمدته الداخلية.
هذه العتبة المنوّرة قد قضت الكثير من الأحداث و لاسيّما الزلازل و شهدت العديد من التغييرات طوال الفترات التاريخية المتتالية حتى وصلت الى ما عليه الآن، بناءها الأصلي يعود الى عصر عضد الدوله ديلمي من حكام البويهيين الذين كانوا من محبّي مذهب التشيّع و خلال العصور التالية أيضاً تمّ ترميم البناء و أضيفت اليه مباني جديدة خاصّةً في عصر أتابكان و على يد امير مقرّب الدين مسعود وزير الملك أتابك سعد الزنكي و في عهد آل مظفّر ولا سيّما على يد ملكة تاشي أمّ الملك أبو اسحق التي قامت بإنجازات اساسيّة لتحسين البناء، إستمرّت هذه التطويرات في عهدين الصفويّة و الافشارية منها ثريّا ذهبية مهيبة علّقها الملك نادر بجوار الضريح تعبيراً عن شكره للفوز على الاعداء، القاجاريون ايضاً قاموا بأعمال فنيّة رائعة، و في عصرنا الحاضر لم تزل تتم تحسين الاجواء و إضافة الزخارف و الفنون المعمارية الرائعة الجمال مثل صالة كبيرة بنيت في الزاوية الجنوبية فوق الرأس محتضنةً لمنبر رخاميّ نفيس للغاية.
تعدّ عتبة شاهجراغ من أبرز البقاع الدينية المتوفّرة في ايران و أكثرها جذباً للسياح المتوافدين اليها من أرجاء العالم متوسّلين الى اجواءها المفعمة بالروحانية السماويّة المهدئة للقلوب و المزيلة لتعب النفوس، إذن نوصيكم بها و لا تفوتوا المتحف الثمين المتوفّر فيها إذا عزمتم للسفر الى مدينة شيراز لكي تتبدّل رحلتكم الى ذكرى حلوة و مباركة.