حرم السيّدة معصومه (س)
تهدئةً للنفوس و ازالةً للهموم زوروا في قلب ايران؛ العتبة المقدسة للسيّدة معصومة (س)، بقعةٌ شريفةٌ و مهيبةٌ تسطع وسط سماء مدينة قم لكي تنوّر لياليها المظلمة بضياءها و تخلب الباب زائريها بعظمتها الزائرين القادمين اليها من شتّى انحاء العالم مستمتعين بجمالها بإعتبارها مجموعةً فاخرةً من نفائس الفن و ظرائف العمارة و متوسّلين بالكرامة و الجود و النعمة و الصفاء التي تشتهر بها من دُفنت فيها.
كريمة اهل البيت السيدة فاطمة بنت الامام موسى الكاظم، تُدعى "معصومة" بسبب طهارتها البالغة و مستواها العالي من التقوى و تمثّل تمثيلاً بارزاً لحياة فاطمة الزهراء (س) و فضلها و علمها و اخلاقها النبيلة، شدّت الرحال و سافرت الى ايران شوقاً لزيارة شقيقها الامام الرضا (ع) الذي كان آنذاك يعيش في مدينة مرو الايرانية عاصمة الحكم العباسي تحت اجبار المأمون العباسي و لكنّها تمّ تسميمها بين الطريق على يد مرتزقة العباسيين و قصدت مدينة قم و أقامت في بيت موسى بن خزرج كبير قبيلة الاشعري مع احترامٍ فائقٍ و اكرامٍ يليق بمكانتها حتى أستُشهدت و دُفنت بكامل العزة في منطقةٍ كانت تسمّى ب" بابلان" و وضع الاشعريون على مزارها سقيفةً حصيرية.
حصلت هذه المنطقة على غاية الرقيّ و التقدّم بفضل هذه النعمة الفاخرة حتى أصبحت اليوم من أشهر مراكز العالم للسياحة و لاسيّما في المجال الديني و تعرّضت للكثير من التغييرات و التطوّرات طيلة الفترات التاريخية المتمادية على سبيل المثال أقدم قبّةٍ نُصبت علي المقبرة كانت من إنجازات سيدة زينب بنت الامام الجواد إذاما قامت بزيارة عمّتها ، تغيّرت المنطقة و تطوّرت حتى وصلت الى عصرها الذهبيّ أي العصر الصفوي و الملوك الصفويون قاموا باعمالٍ عديدةٍ أدّت الى توسيع هذه البقعة المباركة، بدأ بها الملك طهماسب الاول سنة 950 للهجرة و بنى فيها لاوّل مرة ضريحاً مزيّناً بالقاشاني الملوّن و نقوش الفسيفساء و أتبعه فيها خلفاءه بحيث أضافوا اليها المرقد و الايوانات و الصحون و الاروقة و المآذن و كانت كلّها مزخرفةً بالزخارف و الفنون الايرانية الفخمة مثل التذهيب و القاشاني و المرايا و التجصيص و الكتيبات.
هذا و لم تزل تعمل الايدي النشطة على تطوير الحرم و حصيلة هذه الجهود هي بناءٌ بغاية الروعة تغطّيها انوار القدسية و الروحانية و يلفت انظاركم للوهلة الاولى قبّةٌ ذهبيةٌ رفيعةٌ تكون على شكل الهرم و تتكوّن قاعدتها من ثمانية اضلاع و بين كلّ ضلعٍ و آخر شُيّدت نافذةٌ من الفضّة أو الذهب، اجواء القبّة الخارجية مغطّاةٌ بالنقوش و الاشعار الفارسية و اجواءها الداخلية مزيّنةٌ بالنقوش و الفنون المرايا. تمتّعوا بهدوءٍ لا مثيل له تحت هذه القبّة بجوار الضريح حيث يربط مباشرةً بين قلوبكم العاشقة و حبيبتها الحنونة ، ضريحٌ قد قضى فتراتٍ تاريخيةٍ طويلة حتى وصل الى ما هو عليه الآن أي مجموعةٌ لطيفةٌ من الفنون الايرانية العريقة.
الحرم الشريف يحتضن لعددٍ من الصحون الجميلة منها صحن عتيق (قديم) من بقايا العصر الصفوي الواقع في الزاوية الشمالية من الروضة المطهّرة و يعدّ أقدم صحنٍ تمّ بناءه بجوار سيّدتنا معصومة متكوّناً من اربعة الايوانات ، من أهمّ هذه الايوانات هو الايوان الجنوبي الذي يُدعى ايوان الذهب و يُعتبر المدخل الاصلي للروضة المباركة ، تجذب عيونكم في هذا الايوان مأذنتان مرتفعتان تُعتبران أعلى انحاء الحرم و متمتّعتان من عمارةٍ رائعةٍ و زخارف جميلة من القاشاني و النقوش و الكتيبات الاسلامية. أو صحن الحديث الذي يُطلق عليه ايضاً اسم اتابكي لأنّه يكون من إنجازات ميرزا علي اصغر خان اتابك أحد أشهر الوزراء في العصر القاجاري، صحنٌ جميلٌ للغاية يحتضن الايوانات المتعدّدة مثل ايوان آيينه (مرآة) تحفةٌ معماريةٌ تمّت زخرفتها بالاساليب و الفنون المعمارية النفيسة و الساحرة منها التجصيص و المرايا و المقرنصات و تزئينات القاشاني و الكتيبات المكتوبة بخطَّي الثلث و الكوفي.
هذه العتبة المقدسة محاطةٌ بالكثير من المساجد و المدارس و المعاهد التي تتمّ فيها دراسة و تعليم العلوم الدينية لاسيّما المسجد الاعظم و مدرسة فيضية و هما يعدّان أكبر المراكز لتعليم و دراسة العلوم الدينية و يجتمع فيها عددٌ كثيرٌ من طلاب العالم الراغبين في هذا المجال فضلاً عن متحف العتبة الذي ننصحكم بزيارته محتضناً للآثار القيّمة الاثرية