حديقة ارم شيراز
إحدى أجمل الحدائق الفارسية المشيّدة ببالغ الذوق و الإبداع و المدرجة اسلوب بناءها في قائمة منظمة يونسكو بإعتباره تراثاً عالميّاً عظيماً؛ حديقة ارم، من أمثل معالم ايران و أكثرها تفرداً يزورونها مسافرو مدينة شيراز متوافدين اليها من ارجاء المعمورة و مسحورين بما يلفت انظارهم فيها من جمالٍ و روعةٍ و فنٍ و نضارةٍ لاسيّما طيلة فصلي الربيع و الصيف.
في شمال غرب المدينة و على الضفّة الشمالية لنهر خشك تقع حديقة ارم (بمعنى الجنة) حيث تجعلكم فور دخولكم فيها ضيوفاً متمتّعين بهدوءها، ينتابكم شعورٌ جميلٌ كأنّكم تخلّصتم تماماً من ضوضاء المدينة و زحامها، تدين شعبيتها و سمعتها العالمية المرموقة أكثر من أيّ شئٍ آخر لاشجار سروٍ قديمةٍ تقف شامخةً و محتفظةً على جاذبيتها و جمالها و عظمتها بعد مضيّ سنواتٍ عديدة عن عمرها، اشجارٌ جميلةٌ و عاليةٌ تتولّى مسؤولية تزئين الحديقة متوفّرةً في جميع انحاءها لاسيّما على جانبي أجمل و أطول شوارع الحديقة الذي يتوسّطها ايضاً نهرٌ طويلٌ ، اشجارٌ تكون أكثر جمالاً و أكثر روعةً بالمقارنة مع مثيلاتها في ايران و مدينة شيراز، و من بين هذه الاشجار تحتضن حديقة ارم شجرة سروٍ تعدّ الأقدم في نوعها و تشتهر في العالم ب"سرو ناز" و تحظى بمكانةٍ عاليةٍ بين السياح الكبار.
و الى جانبها الزهور؛ تعتبر حديقة ارم متحفاً مبهراً من الاجواء الممتازة المحتضنة لمختلف انواع الزهور و الورود و الشجيرات الزينة و النباتات المزهرة المعمّرة التي تملأ المكان رائحتُها و تزيل الاتعاب نضارتُها و تسحر العيون مناظرُها البديعة و المنعشة.
حديقة ارم من أروع الاحداث التي يجرّبها مسافري مدينة شيراز، يعود بناءها الاصلي الى عهد السلاجقة على يد أحد أكبر المعماريين الايرانيين و كان يسكنها كبار قبيلة قشقائي طيلة سبعين سنةً و بعد أن مضت هذه الفترة الطويلة تمّ شراءها من قبل نصير الملك وزير الملك القاجاري ناصر الدين شاه بحيث قام بإعادة اعمارها و تطويرها و بنى فيها عمارةً فخمةً و مهيبةً في الزاوية الغربية و هي عمارةٌ مهيبةٌ ذات ثلاثة اطباق تعدّ الجوهرة الاصلية للحديقة و لم تزل تجذب إهتمام ناظريها بانماطها المعمارية المدهشة و تأخذهم في جولةٍ تاريخيةٍ مذهلةٍ الى العصر القاجاري و تقدّم لزائريها تحف باهرة من اساليبهم الفاخرة للعمارة و فنونهم و زخارفهم التي لا يمكن ايجادها بهذا المستوى من الروعة في معالم شيراز التاريخية الاخرى منها النحت و الرسم و القاشاني و اعمال التجصيص.
على سبيل المثال في الطابق الأسفل لهذه العمارة قاعةٌ تُدعى "حوض خانه" يتوسّطها نهر ماءٍ و عمودٌ حجريٌّ مزيّنٌ بفن النحت، و تمّت زخرفة جدرانها و و سقفها بانواع التزئينات وفقاً لطريقةٍ بارعةٍ و كانت تستخدم هذه القاعة باجواءها الرائعة و طقسها الجميل لقضاء ايام الصيف الحارة و جدرانها الخارجية المنقوشة عليها اشعارٌ من الحافظ (الشاعر الايراني الكبير) تلفت انظاركم ، أو الايوان الاصلي للعمارة الذي يتوفّر في طابقي الثاني و الثالث يتوسّطها عمودان حجريان عاليان و مميّزان بأروع انواع النحت و اعمال التجصيص المشتملة على الصور و النقوش الفاخرة و الى جانبه ايوانات اخرى و الغرف و الممرّات الجميلة فضلاً عن القاعة الفخمة التي تقع خلفه و تزوّدكم بنفس الجمال.
و امّا في الطابق الثالث، هناك قاعة تغطّيها الاعمدة الخشبية و تزيّنها نماذج رائعة من الرسم لاسيّما فن الرسم على السقف الذي حصل على ذروة ازدهاره في العصر القاجاري و في مدينة شيراز محتوياً للازهار و الارابيسك الجميلة للغاية، هذه و بالاضافة الى الابواب الخشبية النفيسة المزينة أو النوافذ الحديدية المشبكة و المقرنصات البارزة و الكتيبات الحجرية المكتوبة بخطّ النستعليق، كلّها و كلّها تجعلكم مندهشين بعظمة هذه العمارة و مكانتها السياحية.
على واجهة العمارة تعجبكم اقواسٌ لطيفةٌ تُطلق عليها "سنتوري" تعتبر من ميّزات الخاصّة للمبنى و تثير اعجابكم زخارفها المتكوّنة من القاشاني الملونة؛ الزخارف التي تمّ انجازها على اساس الفنون الصفوية و القاجارية و الأخمينية و تحتوي على المشاهد البديعة و النقوش الفاخرة و الفريدة في نوعها.
لن تنسون تلك اللحظات و انتم واقفين في مختلف انحاء العمارة مطلّين على بركة السباحة الكبيرة التي تقع امام العمارة مباشرةً و تتخلّلها نافورةٌ لطيفة كما تجري مياهها الصافية و الطبيعية في الانهار الموجودة حولها و تنتهي الى النهر الاصلي الجاري وسط الحديقة أو إذاما تتمشّون بين الاشجار المختلفة انواعها من السرو و الصنوبر و اشجار الفواكه مستمتعين بالهواء النقيّ.
شيراز مدينة الزهور و البلابل توجّه اليكم دعوةً خاصّةً محتضنةً لمجموعةٍ لا مثيل لها من اماكن الجذب الممتازة و حديقة ارم تعدّ إحدى أهمّ هذه الاماكن، حديقة متحفٍ بمنتهى الفخامة تعتبر مظهراً من مظاهر الجنة على الارض و و مثالاً بارزاً من طبيعة شيراز المنعشة و الشهيرة عالمياً بحيث تخلق لكم اجواءً بغاية الهدوء لتلتقطوا فيها ذكرياتٍ سعيدةٍ و حلوةٍ لا تنسى.