بيستون
على بعد 30 كيلومتراً عن مدينة كرمانشاه (مهد تاريخٍ بغاية العظمة و حضارةٍ بمنتهى العراقة) على طريقكم من همدان الى كرمانشاه في موقعٍ مميّزٍ مطلٍّ على سهلٍ فسيحٍ و مزيّنٍ بالاجواء الطبيعية المنعشة توقّفوا لتجرّبوا إحدى أحلى ذكرياتكم السياحية؛ حيث قطعةٌ مهيبةٌ من تاريخٍ عظيمٍ تدعوكم للزيارة مثيرةً لإعجابكم و ترون افواج السياح المتوافدين على تلك المنطقة إستمتاعاً بهذا الصرح الاثري الفريد في نوعه.
جبل يستون بإعتباره مزيجاً رائعاً من المعالم الفنية الباقية من عصور ايران التاريخية المزدهرة منها الأخمينية و الايلخانية و الساسانية و المادية التي تحوّله الى أمثل معالم كرمانشاه و يوجد عليها أحد أروع المنتجات للفنون و العمارة الفارسية الواقفة شامخةً امام العالم ؛ كتيبات داريوش، أكبر المخطوطات و النقوش الصخرية في العالم المتبقية من عهد الأخمينيين و المسجّلة ضمن قائمة يونسكو للتراث العالمي؛ من أشهر الوثائق التاريخية العالمية العائدة تاريخها الى 521 سنة قبل الميلاد قام بنحتها داريوس الكبير الملك الاخميني الأول نموذجاً باهراً و تذكاراً فاخراً جعل امبراطوريته العالمية خالدةً و باقيةً الى الابد.
هذه النقوش المهيبة (بالغة ارتفاعها الى أكثر من 7 امتار و طولها الى أكثر من 20 متراً)تتكوّن من اعمدة التي كُتبت بالخطّ المسماري البارسي القديم محتضنةً للمضامين الهامّة و الرائعة للغاية، على سبيل المثال تعرض عرضاً جميلاً للامبراطورية الأخمينية و سعتها العالمية كما تشتمل على شرحٍ لتمرّد المتمرّدين و انتصار داريوش عليهم مثلما تحتوي على تبرئة الملك من الكذب و الجريمة أو الدعاء للحافظين علي هذا المعلم العظيم و اللعنة على من لحق الاضرار به.
إختار داريوش منطقة بيستون لكي يقوم بنحت آثاره البديعة و الممتازة و هذا لم يكن من الصدفة، بل لأنّ المنطقة كانت و لم تزل تحتلّ موقعاً جغرافياً مرتفعاً و مثاليّاً (بوابة زاغروس) بالإضافة الى أنّها كانت منطقةً مقدّسة بالنسبة الى الايرانيين و هم كانوا يعتبرونها موطناً للالهة.
على الواجهة العليا لمخطوطات داريوش و على صفحةٍ بارزةٍ ترون نقشاً معجباً بكم يسمّى ب "نقش فروهر" (الملاك المجنح الزردشتي الطائر فوق رأس الملك الأخميني داعياً له بالخير و البركة) والذي يشتمل على اجزاءٍ عديدةٍ يعطيكم كلٌّ منها معنى لطيفاً و رمزاً رائعاً، في أسفل هذا النقش يلفت انظاركم نقشٌ آخرٌ يرسم لكم الملك داريوش الكبير في ذروة العظمة منتصراً على اعداءه، أحدهم تحت اقدامه و الباقي قد إصطفّوا امامه منهزمين.
الميّزة الهامّة التي تندهشون بسماعها هي أنّ الملك داريوش أمر بنحت الصخور الواقعة تحت هذه النقوش و الكتيبات لكي لا يتمكّن احدٌ من العثور عليها خوفاً من خرابها، فضلاً عن أمره بتغطيتها عن طريق مادّةٍ مجهولةٍ زيادةً من عمرها.
أكملوا الإثارة و المتعة مستمتعين بزيارة المعالم السياحية الجذّابة الاخرى التي تقع بجوار كتيبات و نقوش داريوش و تحكي كلٌ منها عن فترةٍ فاخرةٍ من تاريخ ايران بإعتبارها رمزاً باهراً للمستوى العالي من العلم و الإبداع لدى صانعيها، منها سراب بيستون أو معبد ماد أو تمثال هرقل أو الجسر و المحطّة الصفوية لنزول الفوافل أو تخت فرهاد.
مجموعةٌ اثريّةٌ فريدةٌ في نوعها بمنتهى الجمال و العظمة توفّر لكم لا سيّما للراغبين بالفنون الايرانية الانيقة جاذبيةً سياحيّةً لا تنسى و تسجّل على صفحة ذكرياتكم اوقاتٌ لا مثيل لها كما تجعلكم تؤيّدون كونها من عجائب ايرانية المستحقّة حقّاً للزيارة و قضاء الوقت.