باسارغاد
إقتراحٌ بغاية الروعة لمحبي التاريخ و الحضارة و الصروح الاثرية الفريدة في نوعها؛ صرحٌ مهيبٌ يستحقّ حقّاً إعتباره ضمن قائمةٍ تخطّطون لزيارتها إذاما سافرتم الى ايران و محافظة فارس بإعتبارها موطناً لأقدم و أكبر الحضارات التي أنشأت على صفحة التاريخ؛ مدينة باسارغاد الاثرية.
مدينة باسارغاد الاثرية أحد أمثل المواقع الايرانية التراثية المسجّلة من قبل منظمّة يونسكو للتراث العالمي، مجموعةٌ مثيرةٌ للإعجاب أصبحت العاصمة الاولى للإمبراطورية الاخمينية (أول و أعظم امبراطوريات العالم) و أمر ببناءها كوروش الكبير الملك الاخميني الأول حيث قام من هنا بتوسيع سلطاته العالمية ، مجموعةٌ فاخرةٌ إتّخذت الخطوة الاساسية لتطوّر الفن و العمارة الايرانية و جمعت بینها و بین الفنون المألوفة في مصر القديم و الفنون البابلية و الآشورية لتُقدّم للعالم بأجمعه حضارةً لا مثيل لها سمّيت بالحضارة الاخمينية.
في طريقكم من اصفهان الى شيراز بالقرب من برسبوليس (تخت جمشيد) في سهلٍ فسيحٍ للغاية يُسمّى بسهل مرغاب و تُحيط به الاجواء الطبيعية المنعشة و جبال زاغروس الشامخة ستواجهون ببقايا اثرٍ قديمٍ يأخذكم في جولةٍ تاريخيةٍ مذهلةٍ في إحدى المدن التاريخية القديمة.
مجموعة باسارغاد كانت تتكوّن من العمارات العديدة منها مقبرة كوروش الكبير تعتبر أبرز هذه العمارات و أكثرها إثارةً لإعجاب حيث لم تزل بقيت محتفظة على عظمتها القديمة بعد مرور خمسة و عشرين قرناً، الشئ الذي يعكس لكم مدى كفاءة المهندسين المعماريين و العلماء الايرانيين، تمّ تشييد المقبرة بأمرٍ من كوروش مخصّصة لنفسه.
بُنيت هذه المقبرة تماماً من الحجر، الحجارة الكلسية العظيمة البيضاء تمّ تثبيتها عن طريق الادوات الحديدية الرائعة دون الإستفادة من أّيّ ملاطٍ ، مبنى متمتّعٍ من عمارةٍ بسيطةٍ و بديعةٍ في الوقت نفسه بحيث يتكوّن من جزءين الجزء الاول هي منصّة درجٍ ذات ستّة اطباق و الجزء الثاني بناءٌ مستطيليٌّ رائعٌ له مدخلٌ ضيّقٌ.
الرجل المجنّح (انسان بالدار)؛ أجمل النقوش الحجرية المتوفّرة في باسارغاد بحيث يعجبكم بنقوشه الساحرة التي تعطيكم مفاهيم انسانية عالية لأنّها تتكوّن من اجزاءٍ عديدةٍ تستمدّ الهامها من ثقافات الدول المختلفة (فوق رأس الرجل تاجٌ رائعٌ يتأثّر من الثقافة المصرية القديمة أو لباس الرجل الطويل يدلّ على الثقافة الايلامية أو اجنحته الاربعة دالّةٌ على الفنون و الثقافة الآشورية) الميّزة الهامّة التي تجعلكم تعترفون باهميّةٍ بالغةٍ كان الملك كوروش يعلّق على التعاطف و التضامن و الإتّحاد بين الدول بأيّ لونٍ و لغةٍ و جنسيّةٍ دون تمييزٍ في العنصر.
قصر "بارعام" (قاعة الإستقبال) كان كوروش يستضيف فيه الضيوف و ممثّلي الدول و هم كانوا يناقشون معاً في المجالات المتنوّعة، حيث قام الملك كوروش بإصدار ميثاقٍ إشتهر عالمياً ب"ميثاق كوروش" و إنجازه، نموذجٌ بارعٌ لأقدم إعلانٍ لحقوق الانسان أثار فيه أعلى حقوق الناس و حريّاتهم و افكارهم النبيلة و انتشرت الى ارجاء العالم.
باغ شاهي (الحديقة الملكيّة) في باسارغاد كانت مثالاً فاخراً لأقدم حديقةٍ ايرانيةٍ و التي تحوّلة الى نموذجٍ لا نظير له إستخدمته دول آسیا الغربية في عمارة و بناء حدائقهم الكلاسيكية، من ثمّ يمكنكم زيارة "تلّ تخت" اثرٌ طينيٌّ عظيمٌ واقعٌ فوق التلّ يشتهر ايضاً بسرير سليمان مع الإطلالة على مجموعة باسارغاد و تمّت إضافته الى امبراطورية اخمينية كقلعةٍ متينةٍ و أستُفيد منه الى اواخر العصر الساساني.
عمارة باسارغاد البسيطة التي تبدو في الوقت نفسه مهيبة و لافتة لانظار السياح تعكس لهم جمالاً متناغماً مع تنسيقٍ بديعٍ لا يمكن إيجاده قبل إنشاء الحضارة الاخمينية و لا بعده بحيث تخلق لكم لاسيّما للمهتمّين بالتاريخ و الحضارة و العجائب الاثرية اوقاتٍ مثيرةٍ و ذكرياتٍ لا تنسى.