المدينة المحروقة
مفخرةٌ من مفاخر ايران الاثرية العائدة تاريخها الى العصر البرنزي و المسجّلة اسمها في قائمة منظمة يونسكو للتراث العالمي حيث يتوافد اليها السيّاح من ارجاء العالم مسحورين بروائعها ! المدينة المحروقة (شهرِ سوخته)؛ أول مدينةٍ في العالم حصلت على التقدّم و التكنولوجيا و الحضارة الراقية بينما كانت حضارات العالم الأخرى ناشئةً، أي مثالٌ فاخرٌ يحكي للعالم بأكمله عن المستوى الحقيقي للعلم و الصناعة و الفن و الثقافة المتوفّرات لدى الايرانيين منذ الازمنة القديمة.
معلم المدينة المحروقة تمّ بناءها قبل 5 الاف سنة على يد إحدى القبائل الآرية الذين هاجروا اليها و عاشوا فيها طوال الفترات التاريخية الاربعة، موقعٌ فسيحٌ للغاية يتّسع لأكثر من 150 هكتاراً سترونها على اشراف مدينة زابل من توابع محافظة سيستان و بلوشستان و على هامش طريقٍ يتّجه من زابل الى زاهدان مشيّدةً على شواطئ نهر هيرمند و بحيرة هامون.
هذه المنطقة طبقاً للدراسات الموثوقة بها كانت آنذاك لطيفةً و خلابةً و مغطّاةً بالنباتات و الاشجار المختلفة انواعها مثل الصفصاف و الحور و القيقب بجوار بحيرة هامون التي کانت مليئةً بالمياه و محاطةً بالمساحات الواسعة من الاقصاب.
المدينة المحروقة طبقاً للآثار المتبقّية منها كانت تتشكّل من عدة احياءٍ منسّقة :الاحياء السكنية و الحيّ المركزيّة و الحيّ الصناعية و المباني التذكارية و المقابر بحيث ترونها على شكل اتلالٍ متواليةٍ و ملتصقة ببعض ، الميّزة الهامّة المشيرة الى أنّ اهالي المدينة كانوا اناساً مجتهدين و نشطاء المشتغلين في المجالات العديدة من الصناعة و الفن.
النماذج الفاخرة و البديعة من المجوهرات المصنوعة من الذهب و اللازورد فضلاً عن الفخاريات ذات انواعٍ متعدّدة و الاواني الحجرية التي تمّ العثور عليها خلال حفريات قام بها عمالقة الخبراء الى جانب الحصائر و السلات و الاقمشة المزخرفة و المتمتّعة من جودةٍ عاليةٍ و الادوات الرائعة المختصّة بحياكة القماش كلها تدلّ الى أنّ اهالي المدينة المحروقة قد حصلوا على تقدّمٍ باهرٍ و كبيرٍ و مميّزٍ في مختلف الفنون و الصناعات.
ولكن اهمّ هذه التقدّمات وأروع هذه الإنجازات الفريدة و المتعدّدة مجالاتها التي تثير دهشتكم و تجعل المدينة المحروقة مميّزةً بين مثيلاتها العالمية هي في مجال الطب : هيكل عظمى امرأةٍ فيها عين اصطناعية مصنوعةٌ بغاية الدقة و العناية أو جمجمة انسانٍ توجد عليها علائم الجراحة الدماغية التي أجريت بواسطة اطباء المدينة و في مجال تطوّر الرياضيات تمّ العثور على مسطرةٍ خشبيّةٍ بغاية الدقّة.
و في مجال الفن :عثر العلماء على أقدم طاولات النرد مع مكعباتٍ صنعت من الفيروز و العقيق و اللازورد و الأجمل منها هي كأسٌ فخاريةٌ تمّ إكتشافها في إحدى مقابر المدينة القديمة جدّاً و نُقشت عليها أقدم الصور المتحرّكة في العالم ، صورٌ هادفةٌ و رائعةٌ ترسم ماعزاً يتحرّك نحو شجرةٍ ليأكل من اوراقها.
هذه المدينة تعدّ من أكثر المدن الاثرية تفرداً حيث وجد العلماء خلال اعمالهم للحفر في مقابر النساء اختاماً قديمةً تثبت بأنّهنّ كنّ يتحمّلن مسؤولية إدارة الاسرة المالية.
هذ الاثر رمزٌ مهيبٌ للحياة و الحيوية و مثالٌ رائعٌ للتعايش السلمي بين الثقافات المختلفة حيث لم يتمّ فيها العثور على أيّ نوعٍ من الاسلحة أو ادوات الحرب ، مدينةٌ نشيطةٌ و غنيةٌ و متحضّرة كانت تُعتبر في الواقع مركزاً تجارياً لا مثيل له في المعابر الشرقية و الغربية ، لم يتمكّن العلماء من الحصول على وثائق أو كتيباتٍ تاريخيةٍ تتكلّم عن اسم المدينة الحقيقي و لكنّها تشتهر بهذ الاسم إثر حريقٍ كبيرٍ حدث فيها و أدّى الى تدميرها ، و العقيد بيت أحد القوات العسكرية البريطانية كان أول شخصٍ إكتشف بقايا هذه المدينة خلال زيارته للمحافظة و جاء بها في مكتوباته تحت عنوان " المدينة المحروقة" و من ثمّ تمّ إجراء اعمال الحفر و إكتشافات عجائب المدينة بدءاً من سنة 1967 للميلادي تحت إشراف و بقيادة عالم الآثار الايطالي.
المدينة المحروقة إحدى أمثل الآثار الايرانية الاثرية الموصى بها حقاً للباحثين و للسائحين لا سيّما الراغبين في التاريخ و الروائع التاريخية الفريدة ، معلمٌ يرحّب بكم بمنتهى روعته و ذروة عظمته لكي يعطيكم معلومات مجزية عن ظهور هذه الهياكل و المجتمعات في الالفية الثالثة قبل الميلاد مثلما يصبح قسماً حلواً لا يُنسى من ذكرياتكم إذاما إخترتم ايران مقصداً لاسفاركم.